Take a fresh look at your lifestyle.

“عوارظ” الخريف بين حكمة البيظان وتفسير العلم

مع دخول فصل الخريف، تطل على أقاليمنا الجنوبية سحب مميزة يطلق عليها أهل البوادي “العوارظ”، وهي السحب الركامية الموسمية التي يعرفها الكبير والصغير، لكن كثيرا من شباب اليوم لم يعودوا يميزونها عن باقي السحب العادية. وهنا تحضر الذاكرة الشعبية بمثل عميق يقول “ذيك ألا كيف سحاب لخريف.. تبل واحد من كرون لغزال وتزمك الثاني”.

يضرب هذا المثل لوصف أمطار الخريف التي تتميز بكونها محدودة جغرافيا، فقد تمطر على مكان دون آخر مجاور له تماما. فيقال “ذيك ألا كيف سحاب لخريف” أي أن التساقط ضيق ومحصور، حتى لكأنه يبل جانبا من الوادي ويترك الجانب الآخر يابسا. ويستعمل المثل أيضا مجازا للدلالة على ضيق المجال أو محدودية الفرصة.

علميا عوارظ الخريف هي سحب ركامية محلية تتشكل نتيجة تلاقي كتل هوائية رطبة قادمة من المحيط الأطلسي مع حرارة سطحية مرتفعة في المناطق الصحراوية. هذا الاختلاف الحراري يؤدي إلى صعود الهواء وتكاثف بخار الماء بسرعة، فيتشكل “العارظ” ويمطر أحيانا بشكل غزير لكن في نطاق ضيق.

وتسمى المناطق التي حظيت بهذه التساقطات بعبارة محلية متداولة “زدف”، أي أن المطر شملها. لكن من المهم أن نفهم أن “زدف في وادي الساقية” مثلا لا يعني بالضرورة أن كل روافد هذا الوادي الكبير نالت نصيبها من الأمطار.

وادي الساقية الحمراء، وهو أكبر أودية إقليم السمارة له روافد عديدة من بينها وادي خنك السكوم و وادي كسات وغيرها. وحين يقال “الساقية سايلة في الخريف” فالمقصود أن بعض هذه الروافد شهدت تساقطات، لكن ليس بالضرورة أن يشمل السيل كل مجرى الوادي. وهذا بالضبط ما يميز خريف المنطقة، أمطار متفرقة، محدودة المكان، متفاوتة القوة.

يجسد المثل الشعبي “ذيك ألا كيف سحاب لخريف.. تبل واحد من كرون لغزال وتزمك الثاني” التقاء التجربة الشعبية مع التفسير العلمي، فهو يصف بدقة الظاهرة التي يطلق عليها خبراء المناخ الأمطار الموضعية (Localized Rainfall). وما كان للأجداد أن يختزلوا هذه الظاهرة في مثل حي لولا طول معاشرتهم للأرض ومواسمها.

فـ عوارظ الخريف تعتبر علامة من علامات المناخ الصحراوي، وظاهرة أثثت الموروث الثقافي والاجتماعي للبيظان. وبين “زدف” البادية وملاحظة الباحث، تظل هذه الأمطار المحدودة شاهدا على غنى العلاقة بين العلم والحكمة الشعبية.

قد يعجبك ايضا