Take a fresh look at your lifestyle.

الأستاذ الباحث محمد مولود بيبا يكتب : بنات نعش ( أنجيمات بالهادي )

بعد سفر طويل نزلت مَراح القطيع بين الوادي و الريش في صريم خريف بفحمة ليلة درعاءٍ من ليالي زمور طلقٌ صافية سمائها مرصعة بنجوم تبهج الناظرين لا يلوثها شائب و لا يعكرها منغص . ومن الواد القريب تفوح رائحة نبع الغدير و نسيم معطر بأنيش الطلح ينعش النفوس في جو جميل يزيل كل الهم و الكدر أحسست بشعور و هدوء منقطع النظير لا أسمع سوى صرير أسنان العيس تجتر وهدير فحل البعير متذكرا ومرددا لقوله تعالى [ ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ] . متأملا في عظمة الخالق حائرا في الأفق اللا متناهي محدقا باحثا ومتفقدا ما علمت من النجوم بمشهد برزت في أجمل حللها ذات الكرسي بتاج الملوك جالسة فوق عرشها وعلى مَيسرتها اصطفت بنات نعش الكبرى و الصغرى .وبينهما التنين في مجمع يشكلن كويكبات أبدية الظهور لا يغبن عن الساهرين السامرين أنيسات ومرشدات في البر و البحر . كالفراشات يطفن بدوران نحو مصباح مضيء . بخط وهمي مستقيم يمر بالدليلين عبر الفراق و ظهر الدب لا يتيه من حدد نجم الجدي . قطبي ثابت دائم الوجود أوحد لا يبرح مكانه في الأفق الشمالي من قبة السماء تلتف نحوه مجموعة كويكبات اكتسبت شهرة في مشارق الأرض ومغاربها فحيكت و نسجت حولها العديد من حكايات و أساطير الأولين المقدسة التي تمثل بعدا من ابعاد الوعي الانساني و حقيقة لمن لا حقيقة له كما قال احد الادباء .
ففي الحضارة اليونانية عرفت هذه الكوكبة ب ( الدب الأكبر و الدب الأصغر ) و ارتبطت بأسطورة غضب و غيرة الالهة هيرا على عشيقة زوجها زيوس بعد تحذير حولت الالهة هيرا الفاتنة كاليستو إلى دب كبير خشن و تركتها بغابات اركاديا و بعد مضي سنين رأت كاليستو ابنها و أرادت أن تعانقه في فرحة نسيت أنها دب فما كان للإبن اركاس الصياد إلا أن يرسل سهمه ليقتل الدب ليتدخل الإله زيوس في اللحظة الاخيرة ويرمي بالدب في السماء ثم يحول الإبن إلى دب صغير ويلحقه بأمه . كما تخيل الفراعنة هذه الكوكبة ( كثور يحرث الأرض يقوده تمساح عظيم ) و عرفها الهنود برأس القرد وشبهها الصينيون بالعربة و بالمغرفة ( الكاسرونا ) وتصورها الأمازيغ الطوارق بالناقة ‘طالمت’ و الحوار ‘أوارا’ و العرب نعتوها ببنات نعش . فالحمد لله على نعمة الإسلام. وسبحان الخالق المبدع العظيم المنزل في كتابه [ هو الذي خلق لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر و البحر ] وقوله تعالى [ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين و اعتدنا لهم عذاب السعير ]
فالتراث العربي غني بما حيك وقيل عن بنات نعش بدءا بالأسطورة التي تقول إن نعش كان تاجر له سبع بنات فقرض مالا لرجل يدعى سهيل ولم يوفي بوعده و ألح عليه نعش لاسترجاع ماله فوقع شجار بينهم فقتل سهيل نعش و فر إلى الجنوب فحملت البنات الأربعة العازبات نعش أبيهم ومن خلفهم ثلاث أخوات حامل وأم لطفل و عرجاء ينشدن أغاني الثأر مصرات كل الإصرار أن لا يوارى نعش الثراء حتى يثأرن له مصوبات اتهامهم للجدي . وإلى يومنا هذا وهن يطفن متربصات به كي يجدن فرصة لقتله .كمثل يقال ( الذابح سهيل و المتهم الجدي )
و ذكرت بنات نعش في العديد من أشعار العرب منها على سبيل المثال قول أبو طيب المتنبي :
كأن بنات نعش في دجاها””’ خرائد سافرات في حداد
ويقول ابراهيم بن هرمة : بنات نعش يستدرن كأنها ”” بقرات رمل خلفهن جاذر
ويقول الشاعر الجاهلي بشر بن أبي حازم : أراقب في السماء بنات نعش ”” وقد دارت كما عطف السوار
و عرفت بنات نعش في الثقافة الحسانية بأنجيمات بلهادي فالاسم كان دقيقا وبليغا كون أن هذه النجوم هي التي يهتدى بها خصوصا نجمها بلهادي ( الجدي ) المعروف عالميا بالنجم القطبي . كما لها حضور في الشعر الحساني و في الأمثال .
حيث يقول الشاعر الحساني ولد الحسن الديماني
: أهل ام الهادي كّال حد””أكَرب منهم بلهادي
وأهل أم الهادي جاو بعد””يا أمة الهادي
وفي المثل الحساني 🙁 أبعد لك من نجيمة بلهادي ) يضرب للشيء البعيد و المستحيل الوصول إليه .

قد يعجبك ايضا