في حادثة أثارت الجدل بين الأوساط الإدارية والشعبية استعمل عامل إقليم سطات خطاب يحمل لهجة غاضبة وغير مألوفة تجاه المدير الإقليمي للتعليم، وذلك خلال مناقشة صفقات الملاعب. هذه اللهجة التي تجاوزت حدود اللباقة والمسؤولية، لا تعكس الدور المنوط برجال السلطة في تنسيق المصالح الخارجية بل جاءت وكأنها محاولة لإعادة إنتاج مظاهر استبدادية لا تتماشى مع مقتضيات دستور المملكة المغربية وقوانينها (المادة 145 من دستور 2011).
السيد العامل باعتباره منسقا لاعمال المصالح الخارجية للادارات التابعة للدولة والمؤسسات العامة تحت سلطة الوزراء المعنيين (المادة الخامسة من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.75.168)، كما يراقب تحت سلطة الوزير المختص النشاط العام لموظفي واعوان المصالح الخارجية للادارات المدنية التابعة للدولة المزاولين عملهم في العمالة او الاقليم، ويوجه سنويا الى الوزير المختص نظرة عن سلوك رؤساء مصالح الادارات المدنية ومساعديهم المباشرين العاملين بالعمالة او الاقليم، كما يمارس مهمة التوقيف عن العمل المسندة الى السلطة المذكورة بموجب الفصل 73 من الظهير الشريف رقم 1.58.008 بمثابة النظام الاساسي العام للوظيفة العمومية ويخبر الوزير المختص على الفور بتدبير التوقيف الذي اتخذه (المادة 6 من الظهير الشريف 1.75.168)
السيد العامل لقد انتهى زمن السخرة، وتم استبداله بوسائل قانونية و قنوات رسمية للتعامل مع اعمال رؤساء المصالح الخارجية، تتمثل في الاتصال بالوزير المعني لإبلاغه بملاحظات ومشاكل التنفيذ او عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة، أما أسلوب التوبيخ والإهانة العلنية، فهو أسلوب غير لائق، لا يتناسب مع أخلاقيات المهنة ولا مع تعليمات جلالة الملك محمد السادس، التي تحث على الاحترام المتبادل بين المسؤولين، فاعلى هرم في البلاد لم يسبق له ان وبخ مسؤلا كيفما كانت رتبته او مهمته بصفة علنية بل الغضبات الملكية كانت تأتي بطرق رسمية وقانونية تتمثل في العزل او الاعفاء بعيدا عن اساليب الاهانة والتحقير العلني.
إن المسؤولية الإدارية تتطلب استخدام الأساليب الحضارية والإجراءات القانونية المتاحة عند التعامل مع الأخطاء أو القصور. فبدلا من الإهانة العلنية أمام العموم وكاميرات الصحافة، كان من الأجدى لعامل الإقليم أن يسلك المساطر القانونية المناسبة، مثل طلب تقارير تفصيلية أو مراسلة الجهات الوصية على القطاع لاتخاذ التدابير اللازمة.
في زمن يسعى فيه المغرب لترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن مثل هذه التصرفات لا تخدم هذا المسعى بل تعيدنا خطوات إلى الوراء. ما حدث يستدعي إعادة النظر في أسلوب تعامل رجال السلطة مع المسؤولين المحليين، وضمان احترام الكرامة الإنسانية والقوانين المنظمة للعلاقة بين المؤسسات.
فإن خطاب الإهانة والتوبيخ العلني لا يعكس سوى صورة سلبية عن المؤسسة التي يمثلها المسؤول. فهل نطمح لمغرب حديث يديره رجال سلطة يحترمون القانون ويعملون بتوجيهات القيادة الرشيدة، أم لمغرب تحكمه النزوات الفردية والانفعالات غير المحسوبة؟
السيد العامل، دعنا نتخيل لحظة وقوفك في مقر وزارة الداخلية، في حضرة ولاة وعمال عمالات وأقاليم المملكة، وأمامك وزير الداخلية. تخيل أن الوزير يخاطبك بنفس اللهجة الغاضبة التي وجهتها للمدير الإقليمي للتعليم في سياق من التوبيخ والإهانة أمام الجميع، مع توثيق ذلك بالصوت والصورة. كيف سيكون شعورك؟
لا شك أنك ستشعر بالحرج والمهانة وربما ستتساءل عن جدوى العمل في أجواء يغيب فيها الاحترام المتبادل. سيكون الأمر بمثابة انتهاك ليس فقط لشخصك بل لمكانة المؤسسة التي تمثلها.
ما حدث مع المدير الإقليمي للتعليم في سطات لا يختلف كثيرا عن هذا السيناريو. في نهاية المطاف كل مسؤول يمثل مؤسسة تخضع لقوانين وضوابط تحكم العلاقة بين مختلف الأطراف. إهانة المسؤولين أمام الملأ ليس فقط تجاوزا للصلاحيات، بل انتهاكا لروح التعاون الإداري الذي تسعى الدولة المغربية لترسيخه.
إن القانون والدستور يحددان لكل مسؤول اختصاصاته وصلاحياته. كعامل دورك يتمثل في التنسيق بين المصالح الخارجية والسهر على تطبيق القانون، وليس التوبيخ العلني أو تقريع المسؤولين بطريقة تتنافى مع اللباقة واحترام الكرامة الإنسانية. وإذا كان هناك خلل أو تقصير فالقانون يتيح لك مخاطبة الوزير الوصي أو الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
السيد العامل..! المسؤولية الإدارية ليست ساحة لإظهار القوة أو فرض الهيمنة، بل هي مجال لخدمة المواطنين وتطوير الأداء الإداري في إطار من الاحترام والتقدير المتبادل. ولعل جلالة الملك محمد السادس نصره الله في العديد من خطاباته، دعا إلى ترسيخ قيم الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولكن ضمن إطار من الاحترام الكامل للأفراد والمؤسسات.
ما نطمح إليه هو مغرب الحداثة والمؤسسات، مغرب يعكس قيم الاحترام المتبادل والالتزام بالقانون. ولتكن هذه الحادثة فرصة لإعادة تقييم الأسلوب الذي تدار به الأمور، ليس فقط في سطات بل في جميع أقاليم المملكة.