بقلم الأستاذ الباحث : محمد مولود بيبا رئيس جمعية ميران لحماية المواقع الأثرية بالسمارة
كشر الصيف عن أنيابه و طلع نجم الهعقة وما أدراك ما الهعقة رأس جوزاء مكسورة الظهر تلتف بنطاق المحزم بِوصفٍ إصطفت نجومه كسهم مٌنطلِقٍ في وِجهةِ بنات نعشٍ. كوكبة لجمالها نسجت حكايات و أساطير قدماء العرب و العجم. ففي الخيال العربي تمثلت بفتاة جميلة في مقتبل العمر مقاتلة تتربص بصيد الأسد. وفي المخيال الإغريقي وصفت بالصياد الجبار ( أوريون ) Orion الذي كان ينوي صيد كل حيوانات الأرض فغضبت منه الإلاهة ارتميس فأرسلت عقربا ضخما لقتله و وضعته في السماء ليكون عبرة . كما قدس الأمازيغ كوكبة الجوزاء وعرفوها ب ‘ أمنار’ وكانت نجومها مباركة في معتقداتهم ونسب بعض الباحثين أن الرمز الأمازيغي الياز مستوحى من هذه الكوكبة .ونعتت في ثقافة أهل الصحراء ب:المشبوح تمثيلا لذلك الشقي الذي عقر ناقة صالح فصلب في السماء عقابا لفعلته. فكان ذِكر المشبوح حاضرا بقوة في العديد من جوانب الثقافة المغربية في الشعر و الأمثال الشعبية المرتبطة بالفلاحة مثلا : ( إيلا اطلع المشبوح عند المغرب ارم المحراث و اهرب ) (وإيلا اطلع المشبوح عند العشاء خط المحراث وتمشى ) و في أغاني الملحون يقول الشاعر عبد العزيز المغراوي في قصيدة برق النو : عند اخدودك لاح المشبوح بالضيا في وقت الصحو .. و نشهر نورك شعشع ضاوي .. صبحت فجوة .كما يقول كذلك : بنواوره الوضاحة … عدات ضي ذاك النجم المشبوح .
ويقول الشاعر الحساني اسماعيل محمد يحظيه :
ءمذ كط اصهر من لعصار … يتنيمش فيدين المشبوح
مافيهم شمل اتل ملتم … ءعادت منهم لوكار اتفوح
ءفرغت كوم المشبوح … وءتم المشبوح فبلو مشبوح
.تميزت كوكبة الجوزاء بسهمها اللامع النير المكون من ثلاثة نجوم هي : المنطقة و النظام و النطاق . تتموضع أعلاهم نجمة الهعقة Meissa ثالث مطالع الصيف ميزتها القيظ و الحر حسب التقويم المحلي المعروف في الصحراء والمنسوب لعائلة “أهل دهوار” المشهورة بعلم الفلك. كما يأتي خامس مطالع الصيف حسب اهتمام البعض بالأنواء ومنازل القمر وليس بفارق كبير يُحسب لطلوعها فالأول في 24 من شهر يونيو و الثاني في 03 من شهر يوليوز.
فإذا طلع هذا النجم على أهل حاضرة زمور ( السمارة ) التفتوا شوقا و حنينا إلى السواحل وشدوا الرحال فارين مدبرين من القيظ و الحر غير مكترثين بثمن هروبهم وما ينتظرهم من السمسار و البقال ومصاريف العيال و ترك الشويهات في حوش للعلاف .
بالدين أو بالإحسان مفروض على أبو العيال أن يدبر أمر الرحيل إلى السواحل و أماكن الإصطياف والإستجمام غنيا كان أو فقيرا هذه سنة أصبحت مفروضة على رقاب العباد. كان الله عونا لأهل زمور وما ينتظرهم من المصاريف.
