تستعد المملكة المغربية لتطبيق نظام العقوبات البديلة ابتداء من الجمعة 22 غشت الجاري، في إطار إصلاح شامل يهدف إلى تقليص الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية في بعض الجنح البسيطة، وتعويضها بتدابير إصلاحية أكثر فعالية وإدماجا. هذا التوجه الجديد يأتي بعد المصادقة على القانون رقم 43.22 ونشره في الجريدة الرسمية، ليشكل محطة مفصلية في تحديث المنظومة الجنائية المغربية.
يهدف هذا الإصلاح إلى تخفيف الضغط على المؤسسات السجنية التي تعاني من الاكتظاظ، بما يتيح تحسين ظروف إعادة التأهيل، مع الحفاظ على التوازن بين متطلبات الأمن العام وضمان كرامة الأفراد. فالعقوبات البديلة لا تعني التساهل مع الجريمة، بل تمثل آلية أكثر إنسانية تسعى إلى تحقيق الردع وفي الوقت ذاته تمكين المحكوم عليهم من الاندماج داخل المجتمع بدل عزلهم في بيئة قد تغذي الانحراف.
وينص القانون الجديد على مجموعة من البدائل التي يمكن للمحاكم اعتمادها أبرزها، العمل لفائدة المجتمع لفترة تتراوح بين 40 و3600 ساعة لفائدة مؤسسات عمومية أو جمعيات ذات نفع عام، وفق ضوابط تراعي سن وجنس ومهنة المحكوم عليه. كما يتيح القانون إمكانية اللجوء إلى الغرامة اليومية، حيث يحدد القاضي مبلغا يتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية، مع مراعاة الوضعية المالية للمحكوم عليه. ومن بين البدائل أيضا المراقبة الإلكترونية عبر السوار الذكي، إضافة إلى التدابير التأهيلية والعلاجية، مثل العلاج النفسي، متابعة التعليم أو التكوين المهني، والتعهد بعدم الاتصال بالضحايا.
غير أن هذه العقوبات لا تطبق إلا وفق شروط محددة، أهمها أن تكون الجريمة جنحة لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات حبسا نافذا، وألا يكون المحكوم عليه في حالة عود. كما حدد القانون مدة تنفيذ العقوبة البديلة في ستة أشهر من صدور الحكم، قابلة للتمديد مرة واحدة. في المقابل، استثنى المشرع الجرائم الخطيرة مثل الإرهاب، الاتجار بالبشر، غسل الأموال، الجرائم الجنسية ضد القاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة، إضافة إلى الجرائم العسكرية وجرائم الفساد الكبرى.
ورغم ما يحمله هذا الإصلاح من مزايا، يبقى نجاحه مرهونا بعدة عوامل، من بينها جاهزية البنية التحتية والموارد البشرية، وتأهيل القضاة وأطر العدالة لفهم فلسفة العقوبات البديلة، فضلا عن ضرورة انخراط المجتمع في تقبل هذه المقاربة التي تسعى إلى تحقيق عدالة تصالحية تركز على إصلاح الجاني بدل الاقتصار على معاقبته.
إن اعتماد العقوبات البديلة يمثل تحولا عميقا في السياسة الجنائية المغربية، إذ لم تعد العقوبة مجرد أداة للزجر، بل أصبحت وسيلة لإعادة الإدماج وتحقيق العدالة الجنائية المستدامة، بما ينسجم مع قيم حقوق الإنسان ومتطلبات التنمية الاجتماعية.