دعوة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله علماء المغرب للاحتفاء بمرور خمسة عشر قرنًا على ميلاد خير البرية صلى الله عليه وسلم
مع أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، تتجلّى الإمامة العظمى في أبهى صورها: إمامة لا تحدها حدود، ولا تنضب فضائلها، نسجها الله من نور، وجعلها منارة للعلم والإيمان، وراية للهدى واليقين (*)
دعوة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أعزه الله علماء المغرب علماء المغرب للاحتفاء بمرور خمسة عشر قرنًا على ميلاد خير البرية ﷺ، لم تكن دعوة عادية، بل كانت إشراقة ربانية، وشعلة أودعها في صدور العلماء ليستضيئوا بها في دروب الوطن، ويغذوا بها مسالك التأمل الإيماني والعطاء المعرفي، خدمة للدين، وصونًا للهوية، ووفاءً للرسالة.
إنه نداء لا يحمل كلمات فحسب، بل يحمل عبق الرسالة، ونفحة الروح، وإعلان عهد جديد من الحب الصافي والتجرد، حيث يتحول العلم إلى سراج، والذكرى إلى نبراس، والاحتفال إلى انبعاث روحي يحرر النفوس من ضيق الذات، ويبعث فيها نسائم التوحيد، ويكسوها بوشاح الرضا والسلام.
حين يدعو أمير المؤمنين إلى الاحتفال بمولد سيد الخلق ﷺ طيلة هذه السنة، فإنه لا يحيي ذكرى عابرة، بل يبعث الحياة في القلوب، ويوقظ الأرواح بنفحة ربانية تزين النفوس المتلهفة للضياء، وتؤكد أن حب المصطفى ﷺ ليس نهاية المطاف، بل هو فجر لبدايات جديدة، في سمو الروح، وتحقيق الذات، وتحرير الإنسان من أعباء الأنانية، ليغدو مفوضًا بسحائب الرضا، وسفيرًا للسلام.
في أعماق هذا الاحتفال، تتعانق الروح العلمية مع الإيمان الصافي، ويستجيب العلماء لنداء أمير المؤمنين، ليكونوا مشاعل الانبعاث الروحي، يهتفون بالعلم والتقوى، ويزيلون ثقل الجمود، ويزرعون في صدور المغاربة بذور التأمل واليقظة، ويغرسون فيهم الولاء الحقيقي لسيدنا محمد ﷺ، الذي أكرمه الله بجعل طاعته طاعة له، وألبسه من أسرار العلم ما يبهر القلوب، ويروي الأرواح.
إن ذكرى مولد المصطفى ﷺ ليست مناسبة زمنية، بل مدرسة روحية، وحضن للسيرة العطرة، ومنبر للتقوى، ومحراب للحكمة، حيث تنطق منابر العلم بسيرته، وتتحرر العقول من غشاوة الغفلة، وتعيد ترتيب المشاعر خلف نور الله ورسوله، فتسري في النفس أشعة الهدى، وتنبثق من القلب أنوار المحبة والصفاء.
وقد حفظ المغاربة عبر العصور حرمة القرآن والسنة، وأضاؤوا دروبهم بمحبة النبي ﷺ، وأطربوا آذانهم بالمديح، الذي كان ذخيرة روحية في ميادين الجهاد، ووسيلة للتقرب إلى الله. في صلوات مثل “ذخيرة المحتاج” و”دلائل الخيرات”، تتجلى رحلة النفس في عالم العشق الإلهي، حيث تصبح الصلاة على النبي ﷺ جبلاً يعانق الغيم، وينبلج منه الوئام في القلب.
في هذه المناسبة، تلامس الصلاة على النبي أرقى معاني القربان، وتفتح أبواب الرحمة، وتبدد الظلمات، وتنبثق شموس القلوب، وتتحد الأرواح في بحر الحب والصفاء.
بوحي من هذه الروح، يصدر أمير المؤمنين أمره بإحياء علوم المصطفى ﷺ، عبر كتب خالدة مثل الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، والدر المنظم في مولد النبي المعظم، كتب لا تغيب شموسها، بل تضيء طريق الأمة، وتعيد بناء الفهم الحقيقي لمسيرة الأنبياء، وللرسالة التي حملها من لا مثيل له في الرحمة والعلم.
وتتسع الروح الشاملة لهذه الذكرى من أرض المغرب المبارك إلى المهجر وأفريقيا، عبر مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومجلس العلماء المغاربة بأوروبا، فتجمع أمم الإسلام تحت ظلال العلم والعمل، في وحدة تزيد من اتساع الحضارة الإسلامية، وتألق حضورها في كل زاوية من زوايا العالم.
لقد أراد أمير المؤمنين أن تكون هذه الذكرى عصرًا من عصور التوحيد، عصر تنقية النفوس وتجديد عهود الولاء، وتثبيت مفاهيم الإمامة العظمى، التي تزرع الإيمان الخالص، وتختم المحبة والطاعة في صدور الناس، ليصبح ذاك الحب عبادة تضيء الطريق إلى الله ورسوله، وتروي الأرواح شوقًا لرؤية وجه الرحمة والنور، مصدر كل حياة وطمأنينة.
وهكذا، تغدو ذكرى مولد المصطفى ﷺ صرحًا روحانيًا، منارة في العصر الحديث، تأخذ بيد الأمة إلى معارج الجهاد الروحي، وتشرع أبواب الرحمة لكل من نام في ظلمة الجهل، فتنيره بنور العلم والمعرفة، بصوت أمير المؤمنين وبهاء إمامته العظمى، معلنة أن حب الرسول ﷺ هو سر الحياة الجديدة، وفيه حياة القلب وروحه.
(*) كتبه: ذ.محمد خياري