الإعلام المحلي بالسمارة.. بين الإقصاء المؤسساتي وتبريرات “الكلفة الباهظة”..!!

تعيش المؤسسات الإعلامية بمدينة السمارة حالة من التهميش الصامت، تكشفها كل مناسبة رسمية أو محطة تنموية كبرى، حين يقصى الإعلام المحلي من المساهمة الفعلية في توثيق الحدث وصناعة الصورة التواصلية للإقليم. آخر هذه المحطات ما رافق التحضيرات الجارية بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، حيث وجه عامل إقليم السمارة الدكتور إبراهيم بوتوميلات تعليماته لمصالح الدولة الخارجية بضرورة إعداد أشرطة مؤسساتية توثق لحصيلة خمسين سنة من العمل والبناء، غير أن نصيب الإعلام المحلي من هذه العملية ظل شبه منعدم، في ظل مبررات جاهزة ومكرورة مفادها أن “ميزانية التغطيات الإعلامية غير متوفرة” أو أن “تكاليف الإنتاج مرتفعة”..!
هذا الخطاب التبريري يكشف للأسف جهلا أو تجاهلا بطبيعة العمل الإعلامي وتكاليفه الحقيقية. فعملية إنتاج مادة مؤسساتية مهنية تبدأ من الإعداد والبحث الميداني وكتابة النصوص، مرورا بعمليات التصوير الاحترافي والمونتاج والتركيب الصوتي، وصولا إلى الإخراج النهائي. هذه العملية تتطلب خبرة وتجهيزات ووقتا وجهدا، وهي خدمات مهنية لها تكلفة محددة ومعلومة في سوق الإنتاج السمعي البصري. لكن الإدارات المحلية للأسف تتعامل مع الإعلام بمنطق الهواية لا بمنطق الاحتراف، وكأن الصحفيين والمصورين المحليين مطالبون بتقديم خدماتهم مجانا، في حين تصرف اعتمادات ضخمة على قطاعات أخرى دون أن يطرح فيها سؤال “الحيز المالي”.!!
فالإقصاء الذي يطال الجسم الإعلامي بالسمارة هو نتيجة تراكمات من غياب الوعي بأهمية التواصل المؤسساتي، وافتقار بعض المسؤولين الإداريين لثقافة الشراكة مع وسائل الإعلام. فبينما يوجه عامل الإقليم بشكل واضح بضرورة الانفتاح على الصحافة المحلية واعتبارها شريكا في التنمية، تصر بعض المصالح على إغلاق الأبواب وتبرير تقاعسها بذرائع مالية لا تصمد أمام الواقع.
الخطاب الملكي السامي كان واضحا حين أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على أهمية الإعلام في “تأطير المواطنين، والتعريف بالمبادرات العمومية، ومختلف القوانين والقرارات..”. فهل يمكن تحقيق ذلك دون تمكين الإعلام المحلي من الوسائل والظروف التي تسمح له بالقيام بدوره..؟ أليس من العبث أن تمنح صفقات إنتاج وتوثيق لمقاولات قادمة من مدن أخرى، في حين تهمش الكفاءات المحلية التي تعرف الميدان والإنسان..؟
السمارة تزخر بمهنيين أكفاء يمتلكون التجربة والوسائل والتقنيات اللازمة لإنتاج مواد إعلامية بمستوى عال من الجودة والمصداقية، لكنهم يجدون أنفسهم محاصرين بين جدار الإقصاء وضعف الدعم وغياب الإرادة المؤسسية. وبعض الإدارات تتعامل مع الإعلاميين وكأنهم عبء لا قيمة مضافة، رغم أن وجود تغطية إعلامية مهنية يرفع من إشعاع المؤسسة، ويكرس الشفافية والانفتاح، ويقرب المواطن من السياسات العمومية.
إن تبرير الإقصاء بـ “غياب الاعتمادات المالية” ليس سوى غطاء لتهميش متعمد يعكس خللا في أولويات التدبير الإداري. فميزانية التواصل ليست ترفا..! فهي استثمار في صورة المؤسسة وفي الثقة العامة. والحديث عن “الكلفة الباهظة” مردود عليه لأن أتعاب التصوير والمونتاج والكتابة والتعليق الصوتي تبقى محدودة جدا مقارنة بالأثر الإيجابي الذي تتركه المادة الإعلامية الجيدة في التعريف بالمنجزات والمشاريع العمومية.
لقد آن الأوان أن تراجع الإدارات العمومية بالسمارة نظرتها إلى الإعلام المحلي، وأن تدرج ضمن برامجها التشاركية بنودا مالية خاصة بالتواصل والإنتاج السمعي البصري المحلي، لأن الإقصاء المتواصل يفرغ الخطاب الرسمي عن الانفتاح من محتواه، ويجعل المبادرات التي يطلقها عامل الإقليم أو السلطات المركزية تصطدم بعقليات بيروقراطية ترفض التجديد والانفتاح.
الإعلام المحلي في السمارة لا يطلب أكثر من الاعتراف بمهنيته وحقه في الشراكة والتقدير. فكما أن المشاريع التنموية تحتاج إلى مهندسين ومقاولين لإنجازها، فإنها تحتاج أيضا إلى إعلاميين لتوثيقها وتقديمها للمجتمع. فالتواصل هو ركيزة من ركائز التنمية ومكون أساسي في بناء الثقة بين المواطن والإدارة.
وفي الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، حري بالمؤسسات العمومية أن تراجع موقفها من الإعلام المحلي، وأن تفتح أبوابها أمامه، لا باعتباره متفرجا أو ناقلا، فيجب عليها أن تعي أنه شريك حقيقي في مواكبة المسار التنموي بما يليق بمدينة السمارة وتاريخها ومكانتها في الذاكرة الوطنية.